أي أن تعاملي الكتاب كورشة عمل:
لا خلاف حول وجود لذة القراءة، ولا سبيل إلى إنكارها ونفيها؛ فهناك لذة الاستغراق في عالم الرواية، ولذة ملامسة لغة الشعر، ولذة رؤية الزمن يتقلص إلى لحظة خاطفة في الخيال، كما توجد لذة فهم الذات وبقية الوجود. لكنها ليست لذة غير مؤذية تماماً، إنما هي لذة تستلزم مقابلاً. فلماذا يتم إخفاء ارتباط القراءة في عمقها بالسأم والقلق إلى درجة أتساءل فيها أحياناً إن لم يكن المكتئبون بمفردهم هم القراء الوحيدون والحقيقيون؟
للقارىء نقول: أيا هذا قل لي أية أسرار ستعانقها، وقبلة العناق مرّ طعمها ومذاقها؟
الحقيقة ليست دائما في خدمة الحياة، في أحيان كثيرة هي تقوضها، لهذا يبدع الفن ويعلى من شأنه في مواجهة الحقيقة.
في واقع الحال، عند هذا الذي يمشي عمق الوجود، عند هذا الذي يعي زيف الروابط المجتمعية، تسطيح الانسان، والخضوع، الكآبة ليست بمرض يستوجب الكبت أو الاستئصال (كما يقول لي الأصدقاء)، الكآبة هي بمثابة انذار حول زيف القيم المجتمعية وتفاهة الانسان بوجه الوجود.
من هذا المنظار، تكون الكآبة نتاج وعي أعلى وأسمى، وعي يستوجب اجابة، وعي متمرد على الواقع وساعيا نحو الخلود واستحالته.
قراءة كتاب ليست بذاتها اثباتا أن الكتاب قد قرىء.