بيار أبي صعب يكتب عن رقابة الدولة اللبنانيّة ضدّ المثليين

أرجو أن يدرك البعض أهميّة أن يكون هناك مقالات في جريدة لبنانيّة بمكانة الأخبار تكتب ضد الرقابة الرسميّة والشعبيّة على المثليّة.

الرَّقابة اللبنانيّة فزّاعة المثليّ جنسيّاً

بيار أبي صعب
في الأيام الماضية امتشق بعض الصحافيين والنقّاد أقلامهم للدفاع عن فيلم مارك أبي راشد HELP. واتجهت أصابع الاتهام إلى الرقابة اللبنانيّة التي تعاطت مع هذه التجربة الإبداعيّة الجريئة بعبثيّة وخفّة وسلطويّة تفضح هشاشة مؤسساتنا ولاعقلانيّتها ولاديموقراطيّتها، بل اعتباطيتها خصوصاً: لقد سُحبت إجازة العرض الشهيرة رقم 1460 (منحت في تموز/ يوليو الماضي)، بسبب احتجاج هيئة دينية مسيحيّة، كان مركز «سكايز» سباقاً إلى اتهامها والإشارة إليها بالاسم (خطر الظلاميّة ليس حكراً على مذهب أو طائفة… لحسن الحظ!).
«الصدمة» المفترض أن الفيلم أحدثها لدى الرأي العام الذي لم يرَه، هي شخصيّة المثليّ جانو (الصورة)، وشخصيّة ثريا الصبيّة التي تبيع مفاتنها. وربّما كان المثليّ جنسياً هو العنصر الأكثر إزعاجاً. فالمؤسسة البطريركيّة لا يمكنها الاستغناء عن تجارة الهوى التي تمثّل منذ فجر التاريخ إحدى دعائمها ومتنفساتها. والمجتمعات المحافظة أحوج ما تكون إلى تلك الفزاعة، في فصامها الفظيع بين مسموح وممنوع، حلال وحرام. فضلاً عن أنّ تجارة الرقيق الحديثة طالما كانت من محركات الرأسماليّة. ولم تكن الفلسفة الاقتصاديّة التي أعيد بناء لبنان على أساسها بعد الحرب، ببعيدة عن ذلك المخزون الحيوي في ثروتنا القوميّة!
أما المثليّ (الرجل) فطامّة كبرى: إنّه يزعزع الخطاب الذكوري المزيّف، ويشوّش الصورة التي يملكها ويروّجها عن نفسه، ويحرّك العفاريت الرابضة في اللاوعي الجماعي.
مسكين الرأي العام المتروك لأمره في مهبّ الشائعات والأقاويل. القوانين تعامله كقاصر، و«المطاوعة» على أنواعهم يحاصرونه. الكل يجيّشه ويتلاعب بأهوائه ومخاوفه، فيما أنّه لم يرَ ولم يكوّن فكرته ولم يسأل رأيه. مارك أبي راشد أخذ في الاعتبار المواصفات القانونيّة التي اكتشفنا أن هناك ضوابطَ تحددها بالملليمترات والثواني. ومن المخجل ألا يعرض فيلمه في لبنان كما كان مقرّراً، لجمهور الراشدين. بسبب مشهد جنسي، يراعي الاعتبارات التقنيّة التي يطلبها الأمن العام… وبسبب جانو الطريف الذي لا يعطي صورة عن مثليي الجنس في النهاية، بل يمثّل فئة صغيرة منهم، في أنوثته الهستيريّة المحبّبة التي تلامس حدود الكليشيه.

سارا كاين

بيار أبي صعب
شفيعة البؤساء السحاقيّة، كانت غاضبة ومتوتّرة وممتلئة بالمرارة. اعتدت علينا، حاصرتنا بالقيء والقذارات، دسّت بعض الهواجس المسمومة التي تنبعث فجراً كالأرق. لكنّها لم تطل الإقامة في هذا العالم المعقّم الذي تحكمه «الأكثريّة الأخلاقيّة». يعبر طيفها في فيلم السوريّة هالة العبد الله «لا تنسي الكمون». وربّما آن الأوان كي نكتشفها في المكتبة وعلى الخشبة العربيّتين.
لا أحد يعرف سرّ ذلك الجرح الذي كان يعذّبها، لكنّه يختصر عصراً عبرته كنيزك. تفرّجنا ونحن نكزّ على أسناننا ونشد قبضاتنا اللزجة، على لعبة القرف التي استدرجتنا إليها. خمسة أعمال فقط، في أربع سنوات، وضعتها بين أكبر كتاب المسرح المعاصر. الفضيحة انفجرت ذات يوم من شتاء ١٩٩٥، في مسرح «رويال كورت» اللندني، حيث قدّمت باكورتها Blasted (إبادة). حادثة اغتصاب في غرفة فندق في ليدز… تنقلنا إلى الاغتصاب سلاحاً استراتيجياً في حرب البوسنة. جاء العمل عنيفاً ومنفّراً، فإذا ببريطانيا كلّها تحت الصدمة. علّقت صاحبة الجسد الصبياني: «على مرمى حجر تتآكّل جثّة يوغوسلافيا وليس من يعبأ، وإذا بالجميع يستنكر مسرحيّة تعبّر عن تلك الحقيقة!».
نصوص هجينة، كتابة خاصة لا تهادن، لا تخضع سوى لمنطقها. ذلك هو مسرح سارا كاين الذي تصفّى تدريجاً، اختفت الواقعيّة القصوى لصالح الصوت في «مطهّرون»، ذابت الشخصيات واختلطت الهويّات في «حرمان». «ذعر الرابعة و٤٨ دقيقة» تداعيات وهواجس تسبق لحظة الانتحار. مونولوغ شعري كتبته في حالة انهيار عصبي، ثم أدخلت مستشفى «كينغز كوليدج» في ضاحية لندن الجنوبيّة، على أثر محاولة انتحار فاشلة. وبعدها بثلاثة أيّام، وجدت ابنة الثامنة العشرين مشنوقة بشريط حذائها. حدث ذلك قبل عشر سنوات.

7 thoughts on “بيار أبي صعب يكتب عن رقابة الدولة اللبنانيّة ضدّ المثليين

  1. Salina says:

    Go Go LGBTQ Anarchist Surrealist Unarmed militia :D

    بدك تروحينا بشربة مي يا بنت

  2. pierre abi-saab says:

    مرحبا يا صبايا ويا شباب
    أنا فخور جدا انو اخذتوا مقالتيّ
    لازم شويّة صبر وثقة بمشروع التقدم اللي مش حينفع يكون على مستوى واحد (قومي) بل يجب أن يكون على كل المستويات الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة والانسانيّة
    التي تنشغل حقوق الفرد ايا كان لونه – دينه – عرقه – او سلوكه الجنسي

    محبتي

    بيار أبي صعب

Comments are closed.