الحقيقة لديّ تعليق أوّلي لا على التدوينات السورية ضدّ المثليين, لكن ضد كلّ من “يناقش” كيان إنسان آخر.
ما الفرق بين النقاش حول المسلمين والنقاش حول الإسلام ذاته؟
لنبتعد عن “النقاش” حول أيّ من الإسلام والمسلمين ولنناقش عمليّة “النقاش نفسه” حول الإسلام والمسلمين.
لأعطي مثالاً أوّلا, ما الفرق بين النقاش حول الحجاب والنقاش حول المحجّبات؟
أنا شخصيّاً أرفض فكرة الحجاب وأعتبره بكلّ أنواعه وعلى مرّ العصور انعكاساً للقوى الذكورية التاريخية على الجنس الأضعف تاريخيّاًً في حضارات معيّنة والتي عبر هذا التاريخ جاءت لتشّكل الصورة المرئية والاجتماعية الجنسيّة عن المرأة والتي بدورها (الصورة) أتت بأشكال متعدّدة, منها أن تكون المرأة مخفية لجسدها أم تظهره, وكلاهما يحملان صورة واحدة عن جسد المرأة وهو الإغراء الجنسي. أحدهما يخفي “الإغراء” والآخر يظهره, هناك فرق في شكل التعامل مع الإراء لكنّ مضمونه واحد.
تعامل الحضارت المختلفة مع جسد المرأة تاريخيّا بهذه الصورة والتي أصبحت تشكّل لبعض النساء “هويّة” هو تعامل واحد إنّما بأطر متعددة وكما أسلفت بأشكال متعددة لن أدخل فيه الآن.
التعامل مع الحجاب ذاته أي التعامل مع قيمته بمعزل عن الأشخاص الذي يرتدونه, هو تعامل فكريّ مع فكرة, مع القيمة المتجردة ولذلك هي برأيي قابلة للنقاش.
بالنسبة إلى المحجبات فالموضوع مختلف تماماً, فنحن لا نتعامل مع أفكار أو مع قيم الآن, بل مع أناس لهنّ كينونتهنّ وعند هذا الحدّ تماماُ يقف الجدال, فلا مجال للنقاش والجدل حول كينونة إنسان, لأنّ في ذلك برأيي استباحة حرمة مقدّسة وهي الإنسان. إذن التعامل هنا لا يصح لأنّه تعامل فكريّ مع وجودية إنسان.
لي صديقات محجّبات وعزيزات عليّ ولم يكن رأيي بالحجاب مصدر توتر أو قلق بالنسبة لي أو لهنّ, بل الأكثر من ذلك, أجد نفسي أدافع عن النساء الفرنسيات والتركيات المسلمات اللواتي لا يسمح لهنّ بارتداء الحجاب في أماكن الدراسة وغيرها, الأمر الذي أعتبره خرقاً للحريات الشخصية بحجّة حماية “النسيج الاجتماعيّ الواحد”.
إذن في الوقت الذي أناقش مبدأ الحجاب, لا أناقش حرية اختيار المحجبات له, لا بل أدافع عن اختيارهم هذا لأجل مبدأ واحد: الإنسان فوق الأفكار.
كذلك الأمر لي بالنسبة إلى المسلمين وإلى الإسلام, أمي مسلمة ولا أناقش هويّتها الإسلامية بل أناقش الإسلام ذاته.
الحقيقة أجد من العصب على نفسي أن “أدافع” عن أحقيّة وجود المثلييّن في المجتمع, فالنقاش كلّه من أصله برأيي خاطئ, فلا يجوز النقاش حول “كينونة” شخص. الإسلام دين, والحجاب مبدأ, لكنّ المثليون هويّتهم تماما المثليّة, فهم لم يتبعوا دينا أو فكرة, بل هم تماماً مثليين. ومن هنا النقاش حول المثليّة هو نقاش حول المثليين كذلك و تلك الخاصيّة الوجوديّة في الحديث الهوية الجنسية للأشخاص, لا عن فكرة تبنّوها أو مدرسة فكريّة يتّبعونها.
تماماً كالفرق بين الأسود والإشتراكي, الأول يكون أسود والثاني مؤمن بالمدرسة الإشتراكيّة.
تستطيع دوماً أن تناقش الإشتراكية مع الإشتراكي لكن كيف تناقش الأسود بعرقه؟ بوجوده؟ بما هو عليه؟
المثلية ليست فكرة وإنما كيان.
المثلية ليست مدرسة فكرية تناقش وإنما وجودية إنسان.
المثليون والمتحولون جنسيا والثنائيون واللاجندريون هم أشخاص لهم حرمة وكينونة وبينما كلّ الأفكار تناقش, الكيان الإنساني عصيّ على النقاش..
إن كنت تناقش المثليين, فلا ضير من النقاش حولك إذن, هذا ما تفعله تماماً.
وهذا هو الخلل في مفهوم “حريّة التعبير”, فلا حريّة في نقاش كيان إنسان آخر.