امتداد

عندما يأتي ذاك “العلمانيّ” ويدعو الفتاة المسلمة المتحجّبة بال”خالْصة” عند رفضها أن تسلّم باليد, ويأتي ويعرّف عن نفسه “بالليبراليّ” وصاحب الفكر “الحرّ” كونه يسلّم على الجميع باليد- علماً أنّه يفعل ذلك تطبيقاً لمعتقداته كذلك- فذاك يدلّ على شيئين اثنين:

أوّلهما: ربط العلمانيّة بكلماتٍ متجرّدة صنع لها معنىً إيجابيّ كـ”الحرية” والـ”تحرر” والـ”انفتاح” رغم أنّ انزعاج هذا الليبراليّ المثقف المتحضّر وووصفه للفتيات المحجّبات بالتخلّف لرفضهنّ السلام عليه باليد لا يدّل على انفتاح بل على تطرّف إيدولوجيّّ في معتقداته. في نفس الوقت, نجد عند الليبراليين العرب واللاعرب ربط الحجاب كفكرة وأسلوب حياة, بالتخلّف, فإذن نحن هنا أمام لا تقييم “الممارسة”, ممارسة الآراء, بل تقييم “الآراء والمعتقدات” بحدّ ذاتها. وإشكاليّة هذه الفكرة هي أنها لاغية لأي إمكانيّة تواصل منذ البدء وقبل الحديث أو نقاش ممارستها. فإذن نحن هنا أمام منطق إلغائي.

في كلا المخيمين, المتدين والعلماني, نجد أناس ينظرون بدونيّة الى الاخر نتيجة هذا المنطق, مدعين أنهم أصحاب النظرة الصحيحة الى الحياة.

ما يهمني في الموضوع, هو أنّ العلمانية أتت كردّ, هذا إن أسلمنا انّ الردّ بحدّ ذاته صحيحاً, على انغلاق بعض المتديين على أفكارهم رافضين التعامل واحترام أفكار وآراء اللامتديّن أو االامؤمن, الا أنّنا نجد أنّ الليبرالي والعلماني ماهو الا امتدادا لثقافة يصرح علنا انه يعارضها, من هنا اجد ان وجوده مربك كونه وجد أصلا, ليكون مثالا ونموذجا ضدّ اي تعصب ايدولوجيّ. أي أنّ وجوده أصبح مناقضاً لذاته حتّى أصبح دون معنى, على عكس المتديّن الذي يكمن وجوده على معانٍ عديدة.

ممّا نستنتج أنّ جذر مشكلتنا التواصلية هي ليست بالفكر الاسلامي او بالفكر العلماني او اليساري, بل بثقافة الانعزالية الفكرية وعدم النظر الى الافكار الجديدة والمختلفة أو المغايرة بشيء من الاهتمام حتى لو لم نوافق عليها أبداً, فنحن في آخر النّهار نتعامل مع ابن وبنت منطقتنا, وتعاملنا اليوميّ معها ومعه ضرووي أن يكون على أسس صحيّة ضمن حدود جغرافيّة معيّنة تدعى وطن.