مؤخراً بدأت أتابع بنهم القسم الثقافي على جريدة الحياة, فعربيّتها ومحتواها مثيرين للاهتمام جداً بالنسبة لي, أنصح القارئة بقراءة هذه المقالة لأستاذي في جامعة دمشق عابد اسماعيل وهذه للسيوسولوجيّ العراقي ابراهيم الحيدري.
تجدين بالطبع مقالات ذات محتوى ونقاش رديئين, يعني لا تخلو المسألة, لكنّ قسم الثقافة في جريدة الحياة يبقى من أهم أقسام الثقافة, إن لم يكن الأهمّ, بين الجرائد العربية, على الأقل بين تلك التي أتابع, الأخبار والسفير والقدس العربي. أولئك لهم بالتأكيد محتوى سياسيّ أفضل من الحياة, لكنّه ليس الأفضل. غير أنني لا أحب عربيّة أي من تلك الجرائد, كما أنّني أملّ صفحات الثقافة لديهم, والتي أحياناً تكون فارغة من أي جديد.
اليوم نشرت الحياة مقالات عدّة في قسمها الثقافيّ, واسمتعت جداً بقراءة هذه المقالة, وتضايقت من هذه, والتي سأكتب عنها لاحقاُ, بالإضافة إلى هذه, والتي هي موضوع هذه التدوينة. يعني اليوم نال من فترة الظهيرة من يومي مزعجين اثنين, وكلاهما سوريّا, عادي, بتصير.
قال شو؟ قال غسّان مسعود “أخرج” مسرحية, قلنا والله شي حلو, تعو نشوف شو عمل.
وإز الناقد في المقالة التي عنونها بـ”غسّان مسعود أخرج النصّ بواقعه” يتحدث عن المسرحية الأصل, وعن نصها, وزمنها, وعن خلفية الكاتب المسرحي تينيسي ويليامز, ولم يذكر شيئا مّما “أخرجه” غسّان مسعود, أحد “أبرز” الممثلين المسرحيين السوريين ومخرجيهم, حيث نجد هذا المقطع فحسب في المقالة:
في عرضه الذي تبلغ مدته نحو ساعة ونصف ساعة، يلتزم غسان مسعود بالوقائع الواردة في المسرحية، ويتقيد بأسماء الشخصيات والأماكن كما هي، ويجتهد في استحضار أجواء الجنوب الأمريكي إذ يظهر العازف المتوحد، مراراً، في عمق الخشبة وراء غلالة شفافة، فتنبعث موسيقى الجاز الحزينة، وأغان انكليزية ذات إيقاعات كئيبة ومؤثرة، تعكس تلك المناخات الرتيبة التي يقطع صمتها صفير القطارات، وصخب البشر الذين ينتمون إلى فئة المهاجرين المعذبين في بلاد العم سام. إن الإبقاء على فضاء النص المسرحي حتى في الإكسسوارات، والأزياء، والتفاصيل الأخرى الصغيرة، مرده إلى أن مقولة المسرحية تتجاوز الشرط الزماني والمكاني لتمثل حكاية تراجيدية عن الوجود الإنساني وبؤسه في كل زمان ومكان.
أختلف مع الناقد في دفاعه عن مسعود في أنه يود أن يعكس ألماً عالمياً “واحداُ”, بغض النّظر عن الزمان والمكان, أعتقد أنّ في هذا شيء من التبسيط لمفهوم المسرح من جهة, وللمسرحية الأصل من جهة أخرى. بإمكانك أن تمثّل مسرحية, فيكون بذلك “عرضا” لـــــــــمسرحية, لا “عرضٌ مسرحيّ”.أعني, صديقي جورج, طالب مسرح لايزال في السنة الثانية وقد أخرج لتوّه نصيّن, أحدهما مسرحية لشكسبير, وقد غيّر جورج زمن مسرحية شكبير الى زمن معاصر مغيّراً بذلك المعنى التاريخيّ للنصّ بأكمله, كما أخرج نصّاً كتبه بنفسه وكان الطالب الوحيد بين دفعته من الطلاب الفرنسيين من أخرج مسرحية من كتابته-هو يدرس بفرنسا.
وهنا نجد غسّان مسعود, من طليعة المسرحيين السوريين لا يضيف الى النص شيئا سوى عازف وموسيقى؟ الحبكة كما هي, الأسماء كما هي, والأهمّ من ذلك الزمن والمكان كما هما كذلك, دخلك شو أخرجت بالله؟ ماذا فعل سوى أنّه “نسخ ولصق” النصّ كما هو؟ بالفعل, إن فراغ المقالة من معلومات عن إخراج مسعود للمسرحية يعكس فراغ هذا الإخراج بحدّ ذاته. لا أعلم كيف هو المسرح السوريّ مؤخراً, كنت من متابعي المسرح السوري طوال أربع سنوات حينما كنت طالبة في الجامعة, ووقتها, كان كسوريا, فارغا من أيّ معنى.
بإمكانكم مشاهدة هذا الفيديو الذي يحوي مقاطع صغيرة من المسرحية السورية بالإضافة إلى مقابلات مع المخرج وممثلات المسرحية, والمضحك أنّ الجميع قد أدى المسرحية مدركين أنهم يعرضون “مسرحية أمريكية” فقط, فالمخرج مصرّ على عرض نص ّالمسرحية “بدقّة” كما هو, وبالنسبة إلى سلافة معمار تكمن أهميّة هذه عرض هذه المسرحية “باسترجاع المسرح الكلاسيكي الآن”, وبالنسبة الى سوسن أرشيد :”الناس جايين يحضرو عرض أمريكي”.
إذن هذه أضحوكة فعلاً, أصبح المسرح في سوريا بالنسبة إلى بعض مخرجيه وممثليه البارزين “عرضاً تمثيليا” فحسب للنصوص, وهو أمر إنّما يدعو للأسف على مستوى الفنّ والإبداع بين بعض “مؤسسي” المسرح السوري, الله يرحمكما, ونّوس والماغوط, رحتو قبل ما تشوفو هالشوفة.
من المضحك يا رزان أنك تنتقدين المسرحية وإخراج غسان مسعود من خلال مقالة صحفية. بغض النظر عن المسرحية بذاتها, هذا تماماً ما يتكلم عنه صادق العظم في ذهنية التحريم وهو الجزء الأكبر من كتابه المترجم (المقالة الأولى التي أزعجتك) والتي أتشوق بالفعل لأعرف ما هو الذي أثارك فيها؟
أنا من ناحيتي قد أريد أن أشاهد المسرحية بدقتها وبتفاصيلها النصية الأصلية (مع العلم بأن الطابع الإخراجي هو ليس في النص بل طريقة إيصال هذا النص), قبل أن أشاهد تطويراً شخصيا لهذه المسرحية. أريد أن أشاهد الأصل وأن أتعامل معه بواقعه ويشروطه قبل أن أشاهد اقتباسا أقرب إلى شروطي أنا. كم من الناس الذين حضروا تلك المسرحية كان قد شاهد المسرحية الأصلية؟ أعتقد, القليل جدا.
أعتقد أن نقاط الاقتباس التي تضعينها حول (“أخرجه”, “أبرز” و “مؤسسي”) في إشارة إلى غسان مسعود هي في غير مكانها.
لم أبني تعليقي يا يزن على إخراج المسرحية من خلال المقالة فحسب, بل على التقرير وأقوال المخرج نفسه في التقرير, كما أشرت في التدوينة.
وأختلف معك جدّاً فيما قلت هنا:
“أريد أن أشاهد الأصل وأن أتعامل معه بواقعه ويشروطه قبل أن أشاهد اقتباسا أقرب إلى شروطي أنا. ”
أعتقد أنّه ليس من الضروري أبداً, وهو مناف للإبداع أصلاً, ولاسجداد المعنى ثانياً, أن أعلم “الأصل” لأستمتع بالنسخة المنقّحة من المسرحية والتي يبني عليها المسرحيّ أو المخرج سياقاً ومعنىً آخرين. فالمعنى ليس حالة استمرارية, والنص كذلك, بل أنّ كلّ من النص والإخراج لهما سياقهما الخاص ومن هنا يمكن تقديرهما بمعزل عن الأصل, بل أنّ النص الجديد يتحوّل فعلاً إلى نص أخر, غير مرتبط بالأصل. فهناك نسخ كثيرة كانت أفضل من أصلها, والمثال الأفضل على ذلك قصة تكوين فيلم ستانلي كوبريك:
http://en.wikipedia.org/wiki/2001:_A_Space_Odyssey
الذي هو نسخة عن الرواية للكاتب آرثر كلارك, والذي بدوره قد كتب روايته كنسخة مطوّله من قصة قصيرة كتبها في الأربعينيّات. الفيلم أخذ ضجة بين النقاد كونه تحول من نسخة إلى أصل بذاته.
أعتقد أنّ التعامل مع المعنى كحالة استمرارية بين النصوص هو أمر غير إبداعيّ أبداً.
أوافقك على أنّ مسعود ليس مؤسساً للمسرح السوري المعاصر, لكنّه بالفعل يعتبر من أبرز الممثلين والمسرحيين السوريين.
وأخيراً, اعتقد أنّ تعبير “من المضحك” لم يكن بمحلّه. فلنزيل العاطفة والسخرية ولنبق ملتزمين مع الطرح الفكري.
وهل تستيدلين قراءة رواية بقراءة مقالة وتعليق الكاتب على روايته؟
رزان, مع أنني أتفق أن المعنى لا يتعلق بالضرورة بالأصل. وأنا لم أقل أنني أريد أن أشاهد الأصل لأستمتع بالصورة الجديدة. بل أريد مشاهدة الأصل لمشاهدة الأصل. هو في في ذاته هدف. أنا أريد أن أشاهد الأصل كي أتعرف على الشروط الأصلية للمسرحية وهذا ليس شيئاً يثير الضحك. وإلا لما كان أحد بعيأ بمسرحية هاملت الأصلية التي هناك مئات الاقتباسات عنها. ولكن الأصل بحرفيته يبقى له قيمة تاريخية وفنية (لست أقول بالضرورة أنها أهم من نسخة منقحة, قد تكون أهم وقد لا تكون). ولكن إعادة إحياء الأصل بحرفيته ليس “أضحوكة” وليس شيئاً يدعو للأسف.
وعلى كل حال أعتقد أنك اخترت مثالاً سيئاً. الفيلم ليس اقتباساً عن الرواية, آرثر كلارك هو ال…ي كتب الرواية وسيناريو الفيلم (بالاشتراك مع كوبرك) وفي نفس الوقت. وهو مختلف جداً عن القصة القصيرة (رغم أنها قد تكون الفكرة المبدئية).
في الحقيقة أنا كانت أزعجتني علامات الاقتباس التي ظننتها تشكيكاً بدور غسان مسعود في المسرح السوري. وهو دور ليس لأحد أن يشكك به. ولكن يبدو أنني مخطئ فأسحب ذلك.
أنا ألتزم الطرح الفكري يا رزان, ولكنني حقيقة أعتقد أنها “أضحوكة” أنك تدافعين عن انتقادك لمسرحية من دون أن تشاهديها.
أجل, أعتقد أنني أستبدل مشاهدتي العرض للمسرحية بأقوال المخرج عنها بنقطة معيّنة هي عدم إضافة شيئ للنص وهو أمر قد أكّده مخرج المسرحية بنفسه. لا أعلم لم عليّ تأكيد أقوال المخرج بمشاهدتي للمسرحية.
الأمر بسيط للغاية, فهو لم يقل “رأياً” بمكنني أن أختلف معه بمشاهدتي للمسرحية, هو كمن قال, كان هناك أربعة ممثلين, هل عليّ مشاهدة المسرحية كي أتأكد إن كان فعلاً قد وظّف أربعة ممثلين؟
هو تحدّث عن أسلوب اتبعه, عن بنية, لا شيئا متجردّا يمكن اللعب فيه.
هل بمشاهدتك عرضا سوريا للمسرحية الأصل هو أصلاً؟ اعتقد أنّه أصلٌ هش. من هنا فإن أفضل تقدير وتكريم للنصّ الأصل يكمن في الإضافة إليه مما لديك.
لا أعتقد أنّه مثال سيئ, فالقصة القصيرة غير الرواية غير الفيلم, أتحدّث عن بنية الأصل وبنية النسخة, بمعزل عن الكاتب أو الكتّاب, لكنّني أتفق معك أنّه كان من الأجدر بي أن أعطي مثالاً أبسط.
أودّ أن أضيف إلى الجملة :من هنا فإن أفضل تقدير وتكريم للنصّ الأصل يكمن في الإضافة إليه مما لديك. لا بل أنّه عندها يكون مسرحاً, النسخ واللصق هو عرض فحسب. فمن غير المعقول أن يعتبر كاتب المسرحية ومخرجها الأصلي مسرحيّا, ومؤديها مسرحيّّ كذلك.