فرط لبنان… وما بقا في غيرا
تمتم أحد المصلّين.
إن هذه الجملة التي لفظها هذا اللبناني, والتي تسمعينها تقريبا من جميع اللبنانيين وهنا أود أن أؤكد على انكِ تسمعينها-حقيقة لا خيالاً- من أفواه جميع سائقي التاكسي في لبنان, على أن لبنان, هذا البلد الحيّ كل يوم, وفي مماته قد فرط, تعكس وعياً شعبيّاً على واقع لبنانيّ أكثر منه سئماُ منه.
إنّ هذا الوعي اللبناني الشعبي على أن لبنان فرط, إمّا يُرد عليه بالاستسلام أي بالهجرة, أو بالعمل المضني لبناء الأمل, وهو ما يحصل كل يوم, كل يوم, خلال التفجيرات, وتحت القصف.
إنّ هذا الوعي على المشكلة اللامتخيّلة, بل الحقيقية والمُعاشة, وهذا الوعي على الذات, تجعل من اللبنانيين فاعلين وموجودين لا على صفحات الورق, بل على الأرض, وعلى الطريق من اجل حلّ مشكلتهم وإن لم يتوّحدوا.
تلك هي لبنان, وليس كما يراها البعض التبسيطيّ, “غرب” العرب.
أمّا في قلب العروبة النّابض, سوريا, فنحن قد تركنا حاضرنا بكلّ أوجهه وحاصرنا أنفسنا-أم حاصرونا دون أن ندري- بتمجيدنا للتاريخ الشعاراتيّ والعروبة المتخيّلة ودمشق القديمة التي أصبحت دمشق وشمالنا وجنوبنا وجولاننا وسوريا جمعاء.
أصبح شعرنا وأدبنا وسينماياتنا والدارما التلفزيونيّة “الذكيّة” تتغزّل بدمشق القديمة –أي التاريخية- وبالرجولة المتخيّلة والحميميّة الحاراتيّة حتى أصبحت تلك الشعارات هويتنا الوحيدة والأوحدية.
إن نكران البعض أن هناك مشكلات مستعصية في سوريا والتي باتت أكثر استعصاءاً من المشكلات اللبنانية كونها “سوريّة” خالصة بينما المشكلة اللبنانية هي لبنانية وإقليمية وعالمية, هو نكران متمثّل بالمثالية اللاواقعيّة آناُ والرجوع الى “التاريخ” المجيد والمتخيّل آناً أخرى, وعن ما يشاع على أن دمشق فعلاً عاصمة “لثقافة الممانعة والحريات”, كما يؤكد رجالات سياسيتها وبعض المدونين السوريين المغتربين, تجعلني أسأل, إن دمشق القديمة ومعالمها ورجالاتها هم صنعهم هم, وقد احتفلوا أنفسهم بما صنعوا, فهل احتفالنا امتداداً لاحتفال تاريخيّ؟ أليس من الأجدر بنا أن نحتفل بدمشق الجديدة؟ ومعالمها ومثقفيها ومثقفاتها؟
في سوريا, أصبح الطريق الى الحاضر, عبر التاريخ, حتى بات الحاضر غائباُ.
إن مصيبة السوريين لا تكمن في حكومتهم أبدا, بل في عين نكرانهم وسوء قراءتهم لواقعهم.
إن رحلت عن دمشق وعن سوريا, فلم أرحل حكومتها, بل ما يسمى بشعوبها.
تحديث: إلى الأخوات والأخوة الذين علّقوا وأُزيلت تعليقاتهم, لقد حصل خطأ تقنيّ أدى الى اختفاء التعليقات, عذراُ.
لطالما كنتُ أتساءل..
إذا كانت دمشق عاصمة للثقافة العربية فلماذا يقبع مثقفيها في السجون.. ؟!!
أم أن هذه الثقافة هي محصورة ضمن أطر (ثقافة المهادنة) فقط!!
لا أعرف ماذا كان يشعر به سعادة الوزير وهو يتلو حماقاته على الشعب قائلا: (إذا كان هناك أحد من المسجونين لديه قصيدة جميلة سننشرها!!!
ألهذه الدرجة وصلت بك سيدي الوزير الى استحمار الشعب.. (سننشرها)..
أسفي..