خرجت من المكتبة لأستنشق سيجارة. وبما أنّ الجامعة الأمريكية في بيروت قد استحدثت نظاماً بمنع التدخين داخل حرم الجامعة ماعدا بضع مواقع مخصّصة, انضممتُ الى شلّة من المدخنات خلف المكتبة واللواتي قد ضاقت بهنّ الفسحة المسموحة لهنّ بالتدخين.
احتكر الشبّان المقعد الوحيد المتوفّر للمدخنات, فاتخذت لنفسي بقعة على حافة الحديقة. بدأت بلفّ لفافتي, وضعت كمشة من تبغ الهنود الحمر على لفافة ورق الشام, ضغطت مصفّي الدخّان الى جانب التبغ ولففته بحرص لاصقة الورق بلعابي, ممررة لساني من أسفل اللفافة حتى آخرها, ثمّّّ أشعلتها.
انزعجت من الأصوات العالية التي كان يطلقها الشبّان, ووجدت نفسي أنظر حولي علّني أجد منظرا أكثر سكينة.
كانت هناك فتاة جالسة على بعد عشرة أمتار منّي بعيدا عن بقعة المدخنات. كانت جالسة تقرأ في كتابها وكان جذعها قد مال ناحية الكتاب وكانت يدها اليسرى تداعب ظهرها العاري تحت البلوزة. نظرت الى شعرها الذي مال ناحية وجهها حتى لامس الكتاب.
ظللت أحدّق بها لثوانٍ حتى قاطعتني فتاة أرادت الجلوس قربي.
كانت الأخيرة ذات شعر أسود, وعينين واسعتين سوداوين, أضافت بشرتها العارية من الزينة رونقاً الى لون بشرتها الحنطيّ. كانت جالسة بملل وكأنها قد ضاعت ذرعا من نظام الجامعة بمنع التدخين.
أشعلت هي الأخرى سيجارة وحدّقت بقطٍ سمين يعبر بكسل الممر المؤدي إلى المكتبة الرئيسية.
في هذه الأثناء كنت قد بدأت أسعل, رغم ذلك أصريت على أن أشغل شفتيّ بشيء, تارة بلفافتي, وتارة بفنجان قهوة بارد. أي شيء ليبقيني هنا طويلا, وفي هذا البرد.
انضمّ الى الحشد فتاتين أخرتين, لم أستطع أن أرى من الأولى سوى ظهرها الذي لم يكن مثيرا بشيء, لكن الثانية كانت ممتعة بعظام وجهها وجبينها وابتسامتها الخفيفة, لكن عينيها كانتا أجمل ما فيها, ربما, فلم اتفحص جسدها, لكنني ظللت أتخيل نفسي آخذ لقطات يآلة التصوير خاصتي لعينيها فقط. كانتا تتحدثان بصوت خافت, يزداد خفوتا بازدياد شخير الشبّان.
أدرت رأسي ناحية امرأتي الأولى, كانت قد تربّعت على الكرسي وقد حال شعرها بيني وبين وجهها.
أطلق الشبان ضحكة عالية من الخلف,
أطفئت لفافتي, رميتها في العلبة المخصصة, وعدت أدراجي الى مكتبة ساكنة من كلّ ما سبق.