نقاط حول التدوين السوري المحلّي وذاك الاغترابي

أتحفنا أحد المدونين السوريين المحليين بتدوينة يدعو بملئ القلب فيها وفي سابقة من نوعها في تعدد أشكال الخطاب التدوين السوري الذي بدأ منذ أربع سنوات, الى “اختراق بعض المدونات السورية”, حيث يستهل تدوينته بالجمل الاتية:

“أعتقد اصدقائي أن البعض منكم .. يستغرب هذا العنوان .. وكأنني أقول هيا بنا لنقتل بعض الأشخاص !!؟”

“ولكن ليس هذا القصد ..”

شكرا جزيلا لك اخي المدون انك لا تريد قتل المدونين, بل اغلاق تدويناتهم. واو, عنجد شي منفتح, الله يكرمك ويزيدك.

ويكمل:

ولكن في الآونة الأخيرة صادفتني كثير من المدونات العربية للأسف على WordPress أو Blogspots وغيرها على نطاقات مأجورة ضمت في سطورها مواضيع لاتمت بأي صلة لعالم التدوين..”

ان سألكم أحدهم ما هو عالم التدوين, ما عليكم سوى ان تدلوه على تدوينة الأخ هنا, فهو وحده, دون اجراء بحوث وقراءات عن تشعبات التدوين, فصوله واصوله, لديه الجواب الشافي والسريع جدا على ما يبدو, لدرجة انه على استعداد على ان يخترق من لا يمت له صلة بعالم التدوين.

كثيرة هي المعايير والمفاهيم التي يخلقها الانسان, ليموت هو او يقتل غيره, ]دفاعا عن تلك المعايير التي خلقها بنفسه. ها هنا مثال حيّ, فيبدو أن “مفهوم التدوين” أكثر الحاحا للدفاع عنه من المدون نفسه, ذالك المفهوم الذي خلقه المدون هنا, والذي من اجله, يود اختراق زملائه في التدوين.

يستطرد زميلنا:

“فمنها ماكان همها الشاغل التعبير عن حريتها الشخصية (الغير أخلاقية) والتنفيس عن سرائر النفس بإسلوب لا أخلاقي وحتى يصل لمرحلة الشذوذ و الكفر “و العياذ بالله””

اذن نفهم ان الحرية الشخصية, والتي هي لا اخلاقية, والشذوذ, والكفر, هي مواضيع لا تدخل في عالم التدوين. بالطبع, هنا أصبح للخطاب لون ديني, فنحن رجال الله على الارض, نرعى “الاخلاق” وندافع عنها ضد كل “سافر لااخلاقي وشاذ”. نحن لن ننتظر يوم القيامة, نحن سنباشر بها الان, دفاعا عن التدوين, عن الاسلام, والرسول الاعظم.

لا ألوم زميلنا, أعتقد أن من لا ملكه له بالتفكير او العقل او الحجة للرد, لا سبيل له سوى بالغاء الغير مالوف ليسميه “شذوذا” فيخترقه ويدمره.

وهاهي دعوة مدوننا السوري الشهيرة لاختراق مدونات سورية اخرى في سابقة من نوعها منذ بدأ التدوين السوري قبل 4 سنوات كما أسلفت:

فاسمحوا لي إذا بتوجيه دعوة لك شخص قادر على اختراق المواقع والمدونات بأن يقوم بمراسلتي لإعطائه بعض المواقع التي تحتاج إلى تدمير ..

و لينظر بأمرها ويقرر إذا ماكانت تستحق أم لا !!

لاحظوا آخر جملة, المدونات “التي تحتاج الى تدمير” ستكون تحت رحمة هذه اللجنة لينظر بأمرها ان كانت تستحق التدمير ام لا.

يستطرد:

“آأملاً منكم أيها الـ Hackers (المخترقين) أن تقوموا جدياً بتفعيل دوركم في هذا المجتمع الافتراضي وأن تستغلوا هذه العلم الذي آتاكم الله به بماهو مفيد دائماً..”

يبدو ان احد الادوار في العالم الافتراضي والتي اتانا الله بها هي التدمير والاختراق.

“واشكر أمثال الأخوة LoVeR HaKaRz & AlQaTaRi الذي قاما بضرب موقع الملحدة وفاء سلطان قي وقت لاحق واتمنى أن لايكون الأخير في هذه الأعمال الرائعة .. يمكنك الضغط هنا لمشاهدة الصفحة التي تركوها على الموقع “

الملحدة؟ هل هذا ما رآه هذا المدون من خطاب وسياسة وفاء سلطان؟ الالحاد؟ ماذا عن خطابها التحقيري للعرب؟ عن تمجيدها بما يسمى بالديمواقطية والليبرالية الغربية والامريكية؟ بالسخرية من الحركات الاستشهادية في فلسطين المحلتة؟ من دعوة حزب الله بالارهابي كما يدعوه اولئك الذين لا يرون في حزب الله سوى عمائمهم؟

بالطبع, انا لا اطالب صديقنا المدون بالتفكير حين يكتب تدوينة, فالذي يكتب تدوينة من هذا النوع لا يفكر, لا بل هو غير مؤهل ليفكر, ومن غير المعقول ان ينتبه الى خطاب أمثال وفاء سلطان وتبعاته, والذي لا يقل اشمئزازا عن خطاب هذا المدون نفسه المتمثّل بمنطق جورج بوش الذي يحاربه: من ليس معنا فهو ضدنا, من ليس مؤمنا فهو ملحد ويستحق الاختراق, من ليس مستقيما فهو شاذ ويستحق الاختراق, من لا يدون كما ندون فهو ليس مدونا ويستحق الاختراق.

اخيرا اود ان اقول, وبصراحة, ان عالم التدوين السوري باللغة العربية يعاني من اشكاليات لا اراها في التدوين السوري الاغترابي. كنت اقرا التدوين السوري باللغة الانكليزية لثلاث سنوات, تدوين الاغتراب, ورغم انني انتقلت الى العربية نتيجة غربتي عن تدوين الاغتراب والمحلي على حد سواء, لكنني لم اقرا اية تدوينة من المغترب السوري عدا عن مدونة ميسلون نطقت بهكذا منطق الغائي من قبل, مما يستدعي السؤال التالي:

ما معنى ان تكون اول مدونة سورية تدعو الى الغاء زملائها في التدوين السوري مدونة محلية باللغة العربية وذات خطاب ديني؟

الا يعني ذلك نجاح الحكومة السورية بزرع ثقافة إلغاء الغير -وليس الأخر-الخارج عن السرب؟ الا يعني ذلك ان التخلف المحلي الفكري والاقتصادي والتعليمي والحقوقي, قد جعل من بعضنا المسلمين في الداخل متخلفين؟ (لن اقول مسيحيين ويهود وملحدين ولاأدريين وغير دينيين وعلمانيين حتى اقرا لهم مثيل هذه التدوينة)

لم تدوين الاغتراب اكثر تقبلا للاراء المغايرة؟ وهنا بجدر القول ان تعدد الاراء في الاغتراب السوري هو مثير للاهتمام غير ذاك الذي تجدينه في التدوين المحلي الذي يتسم غالبا بمنطق أحادي وان تغيرت الاقلام.

ورغم ذلك, نجد اول صرخة من مدون محلي ضد ماهو غير مالوف داعية للدمار والاختراق بشكل مباشر ودونما حتى تردد بنشر هكذا منطق.

لم لا يناقش المحليون السياسة؟ وان فعلوا فهو تدوين خطابي عروبي تمجيدي وفخور دوما, لا وجود لا للتحليل او للجدل.

لم التدوين المحلي يخشى الشخصانية في التدوين؟ في حين يبدي التدوين الاغترابي اعجابه بالتفاصيل الشخصية التي تضفي لمسة انسانية في عالم افتراضي جاف؟

لم نرى في التدوين المحلي وحده, دفاعية الغائية لما يسمى بـ “معاير سوريا”, “اخلاق سوريا”, “معاير الاسلام واخلاقياته”, “اعراف العرب وتقاليدهم”؟ لدرجة اننا نجد جملة في اول مجمع تدوين سوري باللغة العربية تنبّه الى “الضوابط لقبول المدونات الساعية للإنضمام إليه” :

أن يكون محتواها لا يتعارض مع الأعراف والأخلاق المتعارف عليها .

في حين يتم التركيز في التدوين الاغترابي السوري على الموضوع نفسه من خلال عرض المعلومات في سياق جدلي, على عكس التدوينات السورية المحلية التي تركز على اللغة الخطابية.

لم نجد المدونين المحليين واضحين, جدا, بتعريفهم ل”سوريا”, والاسلام,و” اسرائيل” وفلسطين و”الهوية” والتدوين بحد ذاته, حتى ان سال احدنا سؤالا او ابدى امتعاضه وسخطه من النمطية التعريفية لما سبق, تم الهجوم عليه, ومن هنا الغيت خيار التعليقات على مدونتي ولا ارغب بارجاعها في القريب العاجل, هذا ان ارجعتها اصلا.

كل هذه الاسئلة تعبر دماغي وأنا لا انكفّ عن متابعة جميع المدونات باللغة العربية, تلك التي احترم والتي لا احترم, فرغم كل شيء, يبقى هناك من تجاوز هذه المحدودية بقراءة الحياة والأمور, وهم قلة. أو انكفوا عن التدوين, مثل ريما مسباني مثلا, والتي أدعوها لمثابرة التدوين, مااستطاعت اليه سبيلا.